فلسطين.. كيف ينبغي أن ننظر إليها؟

إن الحديث عن الحيادية إزاء ما يعانيه الفلسطينيون من أوجاع وآلام لهو مطالبة بإلغاء ضمائرنا. فما من إنسان صاحب ضمير حي إلا وعليه أن ينتفض بسبب ما يفعله الاستعمار الصهيوني. إن “فلسطين” اختبار لضمير الإنسانية.

لقد أجريت العديد من التحليلات الاستراتيجية من قبيل أسباب العدوان الإسرائيلي على غزة، ونتائجه المحتملة، ووضع أطراف القضية. أجريت التحليلات ولن تتوقف. بينما ذلك العدوان يشير إلى حالة إنسانية شاملة لا يمكن اختازلها في البعد الاستراتيجي فحسب. فثمة مقاربة ولغة سواء لدى المعارضين لذلك العدوان أو لدى الذين يسعون لإضفاء المشروعية عليه، هذه اللغة لن تقدم شيئا للفلسطينيين، بل ستهدم “القضية الفلسطينية”.

وفيما يلي بعض الملاحظات ينبغي توخيها عند النظر إلى فلسطين:

–    قبل أي شيء، فإن ذلك العدوان الإسرائيلي ليس موجها ضد “حماس”، بل ضد فلسطين. فغزة جزء من فلسطين. وحماس أيضا هي حكومة شرعية منتخبة. وعلى النقيض مما يعتقده البعض، فبينما لا يزال العالم العربي في مرحلة التعارف مع العملية الانتخابية الحرة في أعقاب الربيع العربي، نجد أن الفلسطينيين كانوا سابقين في تطبيق الانتخابات الحرة. فاختزال العدوان الإسرائيلي في غزة دون فلسطين، ورؤية أن حماس هي الهدف إنما هو وقوع في أسؤ الدعاية الإسرائيلية.

–    إن الحقيقة التي أخفاها العدوان الإسرائيلي المكثف على غزة خاصة، وحرب الدعاية الإسرائيلية هي: القضية الفلسطينية وفي أساسها مسألة القدس.. فالمبررات الاستراتيجية لاختيار العدوان غلإسرائيلي لمنطقة غزة، إنما يستهدف إسقاط مسألة القدس ووضعيته من أجندة النقاشات. وهي تدير حملة تعتيم كبيرة على هذا الموضوع. فالهدف هو إبعاد حقيقة أن القدس التي لا تخص فقط العالم الإسلامي بل تخص العالم المسيحي على اختلاف أطيافه واقعة تحت الاحتلال، وكلما نجحت إسرائيل في ذلك كان عدوانها أكثر تأثيرا.

–    إن إسرائيل تؤسس بعناية لاستراتيجية حرب من خلال تشكيل مخاوف تهديد مشتركة من شأنها مخاطبة ذهنية الغربيين دون التحدث عن وضعية الاحتلال ولاسيما في أوساط الإدارة الأمريكية أو لدى الرأي العام فيها. وتعتمد هذه الاستراتيجية إلى حد كبير على التأثير في ذهنية الغرب الذي يتحاشى مواجهة اليهود بسبب شعوره بالذنب تجاههم جراء الإبادة النازية لهم. فيثيرون لدى الغرب دائما الرعب من “الإرهاب الإسلامي” على نحو يريح ضمائر أولئك الذي جعلوا فلسطين تدفع فاتورة أخطائهم التاريخية. ومن ثم كان العمل على شرعنة عدوانهم على فلسطين من خلال وضع “حماس” في الصدارة أمرا يخدم ذلك الهدف.

–    وفي الوقت الذي تؤسس فيه إسرائيل أمام الغرب لخطاب أنهم مظلومين، نجدها لا ترغب أبدا مع الدول التي احتلت أراضيها في التخلي عن الغرور والصلف ووضعية أنها هي التي تحدد قواعد اللعبة. ولذلك أيضا تعطي عند اللزوم رسالة مفادها أنها لن تتورع عن استخدام شتى أنواع التدخل العسكري. وقد نجحت في هذا الأسلوب بشكل عام حتى وقتنا الحاضر.

–    ولذا السبب فإن العدوان الأخير على غزة يحمل دلالة أخرى بخلاف كونه جزءا من أدوات السياسة الداخلية لنتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية. وبالطبع لهذا العدوان تأثيره على السياسة الداخلية. ولكن بالنظر إلى الصورة من منظر أوسع نجد ذلك العدوان يمثل تحديا أمام توازن جديد يستهدف الوضع القائم وفي مقدمته كامب ديفيد الذي أخذت النقاشات حولها في التصاعد. فهو يهدف إلى عرقلة إعادة مناقشة معاهدة كامب ديفيد، والتصدي للكيانات الجديدة التي تسعى خلف ذلك المطلب.

–    إن أكثر الأوراق الرابحة التي تستخدمها إسرائيل في المنطقة هو أن الوجود الإسرائيلي يحقق المشروعية لغالبية الأنظمة الحاكمة في المنطقة. فالأنظمة التي لا تستطيع أن تقيم معها حتى أقل درجات التعاون الاستراتيجي إنما تحمي نفسها تحت مظلة الخطر الإسرائيلي.

–    وعلى النقيض مما يعتقده الكثيرون، فإن إسرائيل ليست بالجيش أو القوة العسكرية التي لا تقهر. وهو ما تجلى لنا من قبل في كيف أن قوى صغيرة تمتلك روح المقاومة استطاعت أن تهزم الغطرسة الإسرائيلية. فقد كانت أكثر تأثيرا من كل عمليات الكفاح التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية. وأصبحت مصدر أمل للنضال المنظم قياسا بالدول التي ذاقت مرارة الهزيمة وفقدت أراضيها تحت نير الحروب الإسرائيلية. فتحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى البنية المؤسسية قد أفقدها من روح المقاومة وأثر في بنيتها الإيديولوجية. فقد حققت الانتفاضة في حرب لبنان الأخيرة مالم لم تستطع دول يبلغ تعداد جيوشها مئات الآلاف ولديها أسلحة وذخائر بمليارات الدولارات.

–    كل تمزق جديد داخل المنطقة هو فرصة لا تعوض بالنسبة لإسرائيل. ومن ثم فإنه من المفيد أن نتابع بدقة نتائج تلك الانكسارات متعددة المحاور التي تحدث في المنطقة حاليا.

–    إن ما ينبغي التأكيد عليه قبل أي شيء وبعده هو أن ما يتعرض للخطر ليس حق الدفاع الشرعي ضد إرهاب دولة، بل المقاومة ضد عدوان قوة استعمارية احتلت الأراضي وشردت الشعب.

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on November 20, 2012

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar