سوف نناقش سوريا كثيراً

اء التي تسيل كل يوم في سوريا تدفع بحدود الصبر والتحمّل الى وضع حرج. ولا يعلم أحد عدد المصابين بالرصاص بعد صلاة التراويح كل ليلة ولا عدد المعتلقين من بيوتهم ولا أين يذهب بهم. وإذا ما تم النظر الى ما يبثه شهود العيان الى مختلف وسائل الإعلام نجد الحالة وصلت الى حدود تجتاز بها القيم الانسانية.

على صعيد آخر ترد مخاوف كثيرة من تحويل هذه الإحتجاجات والمظاهرات السلمية من طورها السلمي الى النزاع المسلح وحمل المتظاهرين للسلاح ضد الجيش وقوى النظام. لأن ذلك يؤدي إلى أن يصبح الحراك الشعبي مسألة تناقش شرعيتها ومصداقيتها أمام العالم. ويتهم المعارضون نظام الأسد بتوزيع أسلحة ونشرها بين السكان ليصدق ما يدّعيه أمام وسائل الإعلام من عدم سلمية التظاهرات. أما عن الطرف المقابل، فيحاول نظام الأسد أن يبرر الدم الذي يسفكه بوجود عصابات “ارهابية” مسلحة داخل الأراضي السورية.

وبات معروفا تعرّي النظام السوري من كل القيم الأخلاقية، وهو يطبق لعبة تهدف لإفساد الصورة الأخلاقية لدى المتظاهرين أيضاً.

طلبت وزيرة الخارجية الأمريكية من وزير الخارجية التركي في مكالمة هاتفية الضغط على النظام السوري لوقف أعمال العنف. و شدة الوتيرة التي خاطب بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نظام الأسد زادت من التوتر والاحتقان. وتزامناً مع كل ذلك فلا ينبغي أن تكون مجرد صدفة ما تضمنه خطاب السعودية من حدة و تهديدات صريحة اضافة الى سحب سفيرها من دمشق.حتى أن دول الخليج بدأت البارحة في سحب سفرائها واحدة تلو الأخرى، ما يوضح أنّها تلقّت رسالة واضحة بهذا الشأن.

وقد توجه وزير الخارجية التركية أحمد داوودأوغلو الى دمشق، حاملا تحذيراً ديبلوماسياً من النوع الرفيع.

ولكن ما الذي قد يحدث اذا تطورت المشاحنات بين الطرفين؟ هل يمكن لتركيا أن تشن حرباً على سوريا؟ أم أن ستقوم أمريكا بالتحالف مع النيتو بالتدخل العسكري؟ وإذا حصل مثل هذا التدخل فما الدور الذي ستلعبه تركيا؟ إذا رحل الأسد فما طبيعة النظام الذي سيحل محله؟ وكيف ستكون علاقاته مع اسرائيل؟ أرباب السياسة مشغولون بهذه التساؤلات بعيداً عن آلام الشعب الكبيرة. الزمن سيظهر ما اذا كان الحراك السوري حركة تستوعب هذه التساؤلات وتفكر فيها بعقلية استراتيجية. وألعاب الدول ومخططاتها مهما حملت من خطابات تحاول إثبات مشروعيتها بـ”التوجهات الإنسانية العظيمة”.

وكما حصل في ليبيا في البداية فمع توسع أعمال والقتل والعنف ضد المتظاهرين ظهرت تطلعات لدى الشارع السوري للتدخل الخارجي إنهاءاً الأزمة. وكان “التدخل الليبيرالي” حاضراً يتداول في العقول. وبأعصاب أكثر برودة  ذهبالوزراء إلى القول بأن التدخل الليبرالي لا يناسب سوريا ، وذلك لأن سوريا ليس فيها ما في العراق وليبيا من بترول أو أي الثروات الأخرى  على الأقل كان لا بد من وجود مصدر ثروة في البلد لتغطية نفقات التدخل أو الاحتلال وإذا نظرنا من هذه الزاوية فإن فرصة التدخل الأجنبي تبدو جد ضعيفة.

فالحماسة التي أبدتها الإدارة الأمريكية لاحتلال العراق والذي كان يخضع لنظام بعثي آخر لم نرها حين أصبح الموضوع يخص سوريا.

وبالنسبة لتركيا فإن هناك من الحقائق ما لا يدع مجالا للشك من أن الذي أراد من تركيا أن تقدم الدعم اللوجستي لحرب العراق هو الآن يشجعها على دخول سوريا وحتى هو يريد أن يقحمها ويستدرجها إلى هذا الخيار. وإلى جانب الحديث عن انه بالاعتماد على الوقائع والشكوك يمكن القول بأن الوضع ينذر بكارثة فلا داع للحديث عن الغضب الصارخ الذي تفجر في أوساط حزب العدالة والأوساط المحافظة بوجه خاص وفي الشعب التركي بوجه عام بسبب الظلم المسلط على رقاب الشعب السوري. وليس صعبا أن نرى حالة الانفعال والاحتقان والسخط  التي يعيشها الناس هنا بسبب الظلم الذي يتعرض له المسلمون في سوريا ولهذا السبب فإن وتيرة المطالبة بتدخل تركي في الأحداث أو حتى التوجهات العاطفية المطالبة بضرورة خوض تركيا للحرب في تسارع مستمر.

إن التعاطف الذي يبديه شعبنا التركي تجاه السوريين يراد له أن يتطور ليكون خيارا ستراتيجيا، ففي الوقت الذي يعارض البعض التدخل الليبرالي في سوريا فإنه يطيب له سماع ما يسمى بتدخل العثمانيين الجدد.

إذا أردنا أن نطلق العنان لخيالنا فإننا نستطيع القول أن أمريكا لا تنوي التدخل المباشر في هذه المرحلة ولكنها في الوقت نفسه لا تتراجع عن تشجيع مبادرات المعارضة. وربما فهي تبحث عمن تقدم له الدعم اللوجستي اللازم ليقوم بهذه المهمة بالنيابة عنها ،على عكس ما حصل في العراق.

كل ما تم ذكره هو عبارة عن افتراضات ولكنه لا يبدو من الصعب إقناع تركيا بدور القوة الرقابية وخلق بيئة ممهدة للتدخل دون استنفاذ الوسائل الممكنة فالبيئة العاطفية اللازمة جاهزة تماما.وخاصة إذا نظرنا إلى الصورة العظيمة لتركيا في العالم العربي نجد أن البيئة العربية والتركية مهيئة لهذا الخيار. وعلاوة على ذلك فلا أحد يريد أن تعطي الصيحات المرتفعة في تركيا بإيقاف الظلم شرعية بتدخل يقوم على أساس مذهبي أو طائفي.

إن استمرار الاسد بسفك الدماء أيا كانت دوافعه يزيل فرص مساءلة ومحاسبة التدخلات الخارجية التي سوف تتقمص دور المنقذ في هذه المرحلة. وأسوأ الاحتمالات هو أن تأخذ الثورة طابعا مسلحا يجر إلى حرب أهلية فالتوازنات القائمة في الشرق الأوسط لا تستطيع تحمل متلازمة بيروت جديدة.

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on September 19, 2011

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar