دليلك إلى قراءة عصا أوباما

حتى  النصف الأول من القرن العشرين كانت هناك “أسطورة أوروبا”؛ الصناعة والثورة والحداثة والدولة القومية والاستعمار وكثير من القيم والمفاهيم.. كان هناك غرب يطمح في العالمية، كانت توجد أوروبا.. وتبددت هذه الأسطورة لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، وحل مكانها “الحلم الأمريكي”.

وكان “الحلم الأمريكي” بقوته العسكرية الضخمة قد تحمل مسئولية الدفاع عن “العالم الحر” في فترة الحرب الباردة. أي “الامبريالية البيضاء” في مواجهة “الإمبريالية الحمراء”… فتدفقت عقول العالم جميعها، والقوة البشرية الناضجة، وكل من أراد خوض المغامرات طامعا في المستقبل، تدفقوا جميعهم إلى أمريكا حيث يشبعون شهواتهم ورغباتهم الانتاجية والاستهلاكية. والحلم الأمريكي رغم منظره الرومانسي الساحر والتحافه بأسطورة دولة الفرص إلا أن قوته الحقيقية تكمن بالأساس في شخصيته العسكرية.

إن تاريخ العقل الأمريكي خال من التجربة. ورغم ذلك فقد أسس نظاما عالميا جديدا بقوته التي لا تنافس أو تبارى. وبلغ قمة القوة وذروتها في عالم أحادي القطب.  ومع ذلك فإن الفترة التي بلغ فيها أوج قوته شهدت في الأصل زخما في الركود الاقتصادي تطور نحو الانهيار.

وللشرق الأوسط ولتركيا مكانة خاصة لدى الإمبراطورية الأمريكية. وتنبع هذه الأهمية سواء من كون هذه المنطقة أهم مصدر للطاقة التي يحتاجها الغرب، وسواء من وجود “النظام القيمي” الوحيد القادر على تحدي القيم التي ترتكز عليها الرأسمالية العالمية فوق هذه الأرض أيضا. فالعالم الإسلامي بقيمه يمثل منطقة جغرافية قادرة على التصادم وتحدي النظام العالمي، وكذلك لديها مقومات أن تصبح نظاما بديلا. ولذلك كان التحكم في هذه المنطقة دائما منذ النهضة الأوروبية يمثل أهمية حياتية بالنسبة لأمريكا.

وإن تكن أمريكا تنظر إلى دول مثل تركيا بكونها من دول العالم الثالث، فهي تقيم علاقاتها معها باعتبار ماهيتها. والقول بأنها ذات علاقة  وطيدة معها تجعلها داخلة في سياستها الخارجية وتوازناتها الداخلية على حد سواء لهو أمر واضح لا يقبل تفسيرات تآمرية.

والتاريخ شاهد على أن القوى العالمية مثل أمريكا لم تتورع عن استخدام العناصر والأساليب المختلفة باسم التأثير في التوازنات الداخلية والخارجية من أجل تحقيق مصالحها لدى القوى الإقليمية الأخرى. فزخم التاريخ الأوروبي وأحقاده، والقوة الأمريكية بتهورها ورعونتها تعبران عن ذواتهما بأشكال مختلفة.

فصورة أوباما ممسكا بعصا البيسبول ليست سوى مؤشرا دبلوماسيا على هذه الفظاظة الأمريكية. ومهما قال الأمريكيون عن هذه الصورة بأنها تعبر عن حسن العلاقات بين البلدين، أو أنها وسيلة للفت الانتباه إلى خطورة المشكلات المتزايدة في المنطقة، فإن الرسالة قد وصلت، وقد تلقاها من تلقاها.

إن ما يهمنا بعد ذلك، هو القراءة الجيدة لمغزى العصا التي يلوح بها من تحت المنضدة. فعند القراءة المتمعنة والفهم الواعي لدلالة هذه العصا التي تلوح بها أمريكا في وجه تركيا سندرك أن خيوط اللعبة ليست شديدة النعقيد وأن الأمور واضحة.

وليست ثمة حاجة لأن نسأل عن دلالة العصا إذا كانت علاقة تركيا مع أمريكا في المستوى الذي اختصرته جملة ‘your boys have done it’ عندما قام العسكر في تركيا بانقلابهم عام 1980.  فالموضوع كان توازن أو تبعية حققها الانقلاب العسكري بعد حصوله على التصديق من أمريكا.

ومع حلول عام 2002 اتضح أن هذ العلاقة لم تعد تمض كما كانت من قبل. فقد اعترف مؤخرا حلمي أوزكوك رئيس الأركان السابق بأن الولايات المتحدة قد طلبت منه ممارسة ضغطا سياسيا من أجل تمرير طلب أمريكا باستخدام قواعدها لضرب العراق. وإن قوله “لكننا لم نفعل”، وأيا كان مبرره، كان يمثل إشارة على أن تركيا قد دخلت مرحلة جديدة بعدم موافقتها على الطلب الأمريكي.

ومن ناحية أخرى، ألا يشير ذلك الوضع إلى المكان الذي سيتم التلويح منه بالعصا؟ أم أنه يبرز أن العصا لا تزال في يده وأنه قادر على استخدامها عند اللزوم. فهذه العصا ليس بالضرورة أن تكون في كل الأوقات عصا عسكرية. ولا عجب أن تظهر عصي أخرى أكثر تطورا متماشية مع قواعد السوق أكثر من كونها عصا عسكرية من أجل قيام تركيا بالدور المنوط بها في المنطقة. إن الديمقراطيين المحافظين الذين لا يرون بأسا في الاندماج مع النظام العالمي والاستفادة من معطياته في وقت قصير، قد يجدوا أنفسهم في مواجهة خيارات استراتيجية ستوضع أمامهم على المدى الطويل.

لقد تم بشكل سريع حل احدى شفرات “التلويح بالعصا من تحت المنضدة”. فسرعان ما جاء التحذير إلى تركيا التي تجري مناورات بالدبابات للتعبير عن أحد ردود أفعالها العسكرية إزاء تشكيل كردي محتمل في شمال سوريا. لقد رسمت الولايات المتحدة لتركيا خطوطها الحمراء وحذرتها ” نتفهم مصالح الأمن القومي التركي. ولكن لا نعتقد أن المزيد من العمل العسكري الآن هو الطريق التي سنمضي فيها”.

إن الذين حرضوا تركيا قبل عام من الآن على دخول سوريا هم اليوم من يريدون عدم عسكرة الوضع. إن هذا الأمر يتعلق عن كثب بالسياسة الأمريكية تجاه الأكراد، وكذلك بالدور الأمريكي والساحة التي فتحتها لتركيا في الشرق الأوسط.

وكل بصيرة سياسية تقرأ جيدا أكواد عصا أوباما، ستكون قادرة على تفادي هذه العصا، وكذلك رسم طريقها بشكل جيد.

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on August 5, 2012

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar