دروس أخلاقية من الإستخبارات الأمريكية

كَشَفَ تقرير الكونغرس الأمريكي حول أساليب التعذيب التى مارستها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA، عن جريمة إنسانية، وحقائق متعلقة بالنظام العالمي المتعدد الطبقات، والمعايير.

فالتقرُّب إلى الدول الكبرى، والتحالف معها، بالنسبة للدول التى لها قدرة محدودة على التعاون فى المجال العسكري، يعني من الوهلة الأولى “الإحتماء بدرعٍ دفاعي”. ومن شأن ذلك أن يؤمِّن لتلك الدول ضمانةً ضد منافسيها الإقليميين خصوصاً إن كان ذلك التضافر (مع الدول الكبرى) فى المجال العسكري على مستوى متقدم.

ولكن يجب ألا ننخدع بصور القادة وهم جنباً إلى جنب، مهما عبَّر التقارب الذى يمكن أن ينشأ بين دولة صغيرة أو متوسطة الحجم بدولة كبرى كالولايات المتحدة، عن التكافؤ بينهما طبقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.

فالعلاقات الأمريكية الوطيدة بالدول متوسطة الحجم، أو حتى بتلك الدول التى فى طريقها لتصبح قوة إقليمية، لاتعنى إطلاقاً أنها “علاقات مبشرة بالخير” كما يُعتقد، ولاسيما أن العلاقات العسكرية بالنسبة لأمريكا لاتعدو أن تكون علاقة تبعيِّة تامة لها. ولعل ضريبة الضمانة مقابل القواعد العسكرية والإمتيازات الخاصة التى ستمنحوها لأمريكا، لاتكون أخلاقية. ومع حرص النخبة الحاكمة على مواصلة سلطتها فى ظل قوة عظمى، تصبح بلدكم مهيَّأة لكافة أشكال الإستغلال بإعتبارها “تابع”..

هناك الكثير من الوثائق والمؤلفات المتعلقة بعلاقة الأمن بالتبعية، ولاسيما معنى التقارب بدولةٍ مثل الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن لايوجد إلا القليل عن البُعد الأخلاقي لذلك التقارب أو بالأحرى لتلك التحالفات الغير متكافئة. فالمسألة الأخلاقية التى تم طمسها فى السياسات الأمريكية بإسم المصلحة القومية، قد تم توثيقها رسمياً بذكر أساليب تعذيب الإستخبارات الأمريكية فى تقرير الكونغرس. وصارت مهارات الوكالة التى تُتدرِّس الخدمات الإستخباراتية الموجهَّة فى تقنيات التعذيب، أمامنا الآن بشكل ملموس. وأصبح جزءاً من الوقائع التى كشف عنها “سنودن” من قبل، مُدرجاً فى وثيقة رسمية جامعة شاملة. إلا أن تفاصيل ممارسات الإستخبارات الأمريكية الغير إنسانية -حتى وإن أثارت الدهشة- كانت من القبيل الذى يمكن تخمينه.

فى خبر تم تسريبه أو توجيهه للإعلام فى اليوم الذى تم فيه الكشف عن تقرير الإستخبارت الأمريكية، تم نشر قائمة بدولٍ إنزعجت من ذكر إسمها فى تقرير التعذيب.. وهى قائمة بالدول التى لها سوابق فى أساليب التعذيب التى جرت بشكلٍ مماثل لممارسات الإستخبارات الأمريكية.. وأظهرت القائمة أغلب دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وكأنها تتمتع بمهارات إختطاف البشر وتعذيبهم فى مراكز سرية بدولٍ أجنبية كما تفعل الإستخبارات الأمريكية. وفى الوقت الذى بدت فيه الولايات المتحدة أمام ملفاتها القذرة، سبَّبَ توازن الوعى فى التعذيب حالةً من الإستخفاف بالظلم. ولاسيما أن المجتمع الأمريكي مجتمع إعترافي!.. فلا جدال فيه عن البُعد الأخلاقي والوجداني (الضميرى) للتعذيب..

إلاَ أن البعد الأخلاقي الذى ظهر فى تقرير الإستخبارات الأمريكية الأخير، قد أظهر تورُّط دولاً فى عمليات لا أخلاقية وجرائم إنسانية بالرشوة. كما بيَّن أن علاقة الرشوة اللاأخلاقية تلك لا تظهر فى دول العالم الثالث “المُسيَّرة/الموجَّهة” فحسب. حيث جرى تعاون لا أخلاقي مع دولةٍ داخل بنية تعظ بالمبادئ العالمية كالإتحاد الأوروبي، وعضو فى حلف من الدرجة الأولى كـ”الناتو”؛ وهى بولونيا.

وبالرغم من إنتشار الكثير من الأنباء، فى مطلع العِقد الماضي، حول وجود مراكز تعذيب سرية فى دول الناتو المختلفة، والتحقيق مع الأسرى فى الجو أثناء نقلهم من القواعد العسكرية بإستخدام أساليب مختلفة من التعذيب، إلا أنه لم يُحاسب أحد على الممارسات التى  إرتُكبت فى تلك الدول.

ولكن مِثال “بولونيا” قد برهن أن هناك فاتورة أخلاقية للتقارب بتلك القوى، حتى وإن كنتم داخل إتحاد يدافع على القيم العليا كالإتحاد الأوروبي وتحت سقف حلف كالناتو. ووفقاً لما تم فهمه من التقارير، فقد تم إعطاء رشوة إقتصادية فى مقابل مركز التعذيب السري الذى أتيح للإستخبارات الأمريكية.. أى تم دفع رشوة لدولة مقابل التعذيب.

وطالما أن النظام الدولى الذى يسرى فيه مبدأ “صحيحٌ سياسياً ولكنه خاطئ أخلاقياً” لا يُسئل، فإن السياسات المنافقة سوف تستمر بإسم المبادئ العالمية. وسيواصل الإتحاد الأوروبي، والكونغرس الأمريكي، والمؤسسات الدولية نشر تقارير إنتهاكات حقوق الإنسان فى العالم. وستستمر الممارسات حتى وإن تم الضغط أحياناً على البنى المتسلطة الأصغر.

ينبغى أن يكون مثال بولونيا درساً لكل العالم وبخاصة لدولٍ كدولنا. ويجب التذكر دائماً أن البنية الأساسية للديمقراطية الأمريكية تتمتع بشخصية عسكرية.

وثابتٌ من خلال تجاربنا أن أمر الدول الأخرى التى شاركت فى تلك الجريمة الإنسانية سوف ينكشف وينجلى بعد فترةٍ من الزمن.

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on December 21, 2014

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar

Daha Yeni Yazlar:
Bir Önceki Yaz: