دبلوماسية الموساد

كشفت التحريات عن أن عملاء الموساد كانوا وراء اغتيال المبحوح في غرفته بأحد فنادق دبي في التاسع عشر من شهر يناير الماضي، وهو ما أدى إلى نشوب أزمة دبلوماسية. فالأدلة التي تم التوصل إليها عقب الحادث تثبت أن حادث الاغتيال أعمق بكثير مما هو متوقع. إذ إن تنفيذ الجريمة بالمهارة والحرفية التي تمت بها والتي تذكرنا بأفلام العملاء السريين يبدو، ومن الوهلة الأولى، وكأنه قصة نجاح بالنسبة لإسرائيل التي فقدت هيبتها العسكرية.

وكلما انقشع الغمام عن الحادث، يتضح لنا أن الجريمة قد تمت من قبل منظمة عالمية. وحسب آخر ما صرحت به شرطة دبي فإنه قد تم ضبط جوازات سفر مزيفة أعدتها إسرائيل لدخول كثير من الدول، هذا بخلاف جوازات السفر التي استخدمت في الحادث بدبي. والتصريح بأن الذين استخدموا هذه الجوازات هم من رجال المخابرات الإسرائيلية فيه ما يلفت الانتباه إلى الجرائم التي اقترفتها إسرائيل سرا على المستوى الدولي. فاستخدام عملاء الموساد فيما سبق لجوازات سفر تخص دول غرب أوروبا قد تحول إلى فضيحة دبلوماسية. حيث كانت الفضيحة الأولى عندما قام أحد عشر عميلا بحمل جوازات سفر لدول انجلترا و ايرلندا و فرنسا وألمانيا. ثم اكتشاف فريق إسرائيلي من خمسة عشر شخصا يحمل جوازت سفر تخص انجلترا واستراليا وألمانيا قد أخرج الحادث عن كونه مسألة تتعلق بقضية حماس وإسرائيل. حتى أنه قد نودي بمحاكمة رئيس وزراء إسرائيل شخصيا في هذا الحادث.
إن حمل الموساد لجوازات سفر مزيفة حين يقوم بارتكابه لجرائمه داخل دولة أجنبية أمر ذو دلالة مهمة. حيث أن قيام دولة بتزييف جوازات سفر لدولة أخرى للقيام بجريمة على أراضيها يعد في علم الجريمة دعم من الدولة صاحبة الأرض للجريمة. كما أنه يعد تطورا يصب في اتجاه افتقاد تلك الدولة لهيبتها، ويعزز من الشكوك حول جوازات سفرها الممنوحة. فهذه الدول لن ترضى بأن يُنظر إلى مواطنيها عند مرور بوابات المطار كما ينظر إلى مواطني دول أسيا وأفريقيا باعتبارهم أشخاص مشتبه فيهم بالإرهاب أو الاتجار في المخدرات.
بيد أن ما يجب الالتفات إليه هنا هو أن دخول هؤلاء العملاء الإسرائليين إلى دولة عربية بجوازات سفر انجليزية أو فرنسية أمر خطير للغاية ويجب أن يدق أجراس الخطر في الميادين الأوروبية. فإن تقديم الغرب الدعم إلى إسرائيل في جرائمها السرية ومشاركتها فيها من خلال السماح لهم بهذه الجوازات المزيفة فضلا عن دعمه الاقتصادي والسياسي أمر لا يليق أبدا بالمجتمعات ” المتحضرة الديمقراطية”.
إن ما طرحته عليكم إلى الآن يعد أمرا معروفا للجميع، ولاسيما أن مسألة جوازات السفر قد روج لها الموساد بنفسه.
أما الذي لاينبغي تجاوزه في هذا المقام فهو الدلالات التي يحملها التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل ودول غرب أوروبا. فمما لا داعي لذكره ومعروف للجميع أن ثمة تعاون استخباراتي بين تركيا وكذلك معظم الدول العربية التي تدور في الفلك الأمريكي وبين إسرائيل. فالموساد ماهر في إعطاء معلومات مسبقة عن عمليات تدبر ضد أنظمة ملكية، وكذلك في دعم مجموعات يريد لها أن تصبح عنصر تهديد داخل دولها، ثم يبلغ عنها، الأمر الذي يضخم من صورته لدى الدول والرأي العام العالمي.
أما في الساحة الدبلوماسية فعلمنا أن للمسألة بعد مختلف، وأن هذه العلاقات الاستخبارية لا تسري على الساحة الدبلوماسية. إذ لافرق بين الدبلوماسيين الغربين الذين يحملون جنسيات مزدوجة والذين لا يحملون، تماما مثل ما حدث بين أعضاء الموساد في جريمة دبي. وهذا الأمر يلاحظ على نحو أوضح بين الدبلوماسيين الأمريكان على وجه الخصوص.
ومثال بسيط على هذا ما أعلنه نائب الرئيس الأمريكي”بيدن”  بجلاء عن كونه صهيونيا وذلك عند وصوله إسرائيل قبل أيام. وليس من الصعب علينا أن نتوقع ما يمكن أن يحدث من دبلوماسيين لم يصرحوا بأنهم صهاينة ولكنهم يهود أو يحملون جنسية إسرائيلية حين يجلسون على موائد المفاوضات والمباحثات الدولية.
فكم من مرة جلس دبلوماسي يمثل إحدى دول الغرب على مائدة المفاوضات مع دولة عربية، وجهلنا نوع العلاقة التي تربطه بإسرائيل. فلو كنت تعلم أن الدبلوماسي الأمريكي الذي تفاوضه يهودي الديانة، لأمكنك أن تدرك هذه العلاقة. غير أن الطرف الذي يستفيد أفضل استفادة من هذه العلاقات هو إسرائيل.
فالتحالفات الدبلوماسية هي إحدى الأوراق الرابحة التي تجيد الدبلوماسية الإسرائيلية استخدامها. والأمثلة كثيرة على استخدام اسرائيل لدور الدبلوماسية المزدوجة مع الدول العربية، والدول الأخرى.
إن السبب وراء المبالغة في قوة إسرائيل يرجع في الأساس إلى الدعم الأمريكي غير المحدود، والوقائع الناجحة التي تحرزها إسرائيل من جراء الاستخدام الأمثل لهذا النوع من العلاقات الدبلوماسية المزدوجة.
ومن ثم فينبغي أن ندرك أن إسرائيل التي تلعب دور الطفل المدلل في ظل الدولة العظمى منذ قيامها لن يمكنها الاستمرار في لعب هذا الدور إلى الأبد. فالولايات المتحدة على وشك أن تنفض يدها من إسرائيل، وتدعها وحدها امام بعض التطورات الجارية في المنطقة.

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on March 18, 2010

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar