تركيا وسوريا.. تأشيرة المرور

إلغاء تأشيرة المرور بين تركيا وسوريا يعد خطوة مهمة في سياق تحسين العلاقات بين البلدين، حيث أنهى حالة من الفرقة والخصومة، وأزال الأسلاك الشائكة التي فرقت بين أبناء العائلة الواحدة في القرى السورية والتركية. فذلك الجدار الذي نسجت أسلاكه الشائكة بين أبناء المنطقة الواحدة كان حائلا منيعا بيننا وبين أواصرنا التاريخية والثقافية المشتركة مع الشرق الأوسط. إن كل حجر ينزع من ذلك الجدار بمثابة ثغرة للمرور الثقافي بين شعوبنا.

وفي منطقة مثل منطقتنا (الشرق الأوسط) تعج بالتوازنات المضطربة، ليس ثمة شيء يحدث ببساطة وسهولة وانسيابية. إذ إنه دون قراءة مغزى الانفتاح التركي على سوريا ودلالته قراءة صحيحة، فإن تناول المسألة في إطار من التفاؤل يتخذ من إلغاء التأشيرة رمزا له سيعتبر تناولا خاطئا منقوصا.

والسؤال هنا، كيف يمكننا تفسير ذلك الصمت وحالة عدم إبداء ردود أفعال من قبل الغرب والولايات المتحدة على ذلك التقارب بين تركيا وسوريا والذي وصل إلى درجة إلفاء تأشيرة المرور بين البلدين؟

وليست ببعيدة منا التهديدات الأمريكية بالتدخل لضرب سوريا، بل وإن إسرائيل لازالت تصريحاتها لا تنقطع بشأن رغبتها في ضرب وتفجير بعض المنشآت السورية. ولا ننسى أيضا أن سوريا تلعب في الذهنية الأوروبية دور “الدولة الشريرة” التى لم تعقد سلاما مع إسرائيل. ما أريد قوله هنا، أن المغزى من ذلك التقارب بين سوريا وتركيا التي تمثل الحليف الأهم بالنسبة لأمريكا في المنطقة، أمر يرتبط ارتباطا وثيقا بمخطط الشرق الأوسط الجديد.

ومن باب التذكرة، فإن العراق وسوريا (كانتا) دولتين ذاتا سمات متميزة عن سائر الدول العربية الأخرى؛ حيث كان نظامهما يقوم على الأيديولوجية البعثية، القومية العربية، والنظم الاشتراكية-العلمانية. كما عرف كلاهما بعداءهما المتصلب لإسرائيل، ومواقفهما الصرامة تجاهها في سياستيهما الداخلية والخارجية. ورغم أن العراق قد حصل على دعم مؤقت من الدول الغربية للهجوم على إيران، إلا أنه وسوريا قد أصبحا مع انتهاء الحرب الباردة خاصة خارج المنظومة الدولية.

وعوقب العراق بالتدخل العسكري، بل وأضفيت على عملية التدخل العسكري في العراق الشرعية الدولية، فبات الرأي العام الدولي لا يفتأ يتحدث عن انتهاكات صدام حسين لحقوق الإنسان. ولاسيما إبادته لآلاف الأكراد في “حلبشه” بالأسلحة الكيمياوية.

وعليه، احتلت الولايات المتحدة العراق، وأسقطت صدام حسين ونظامه البعثي، وأضفت على تدخلها شرعية دولية إنسانية متذرعة بإرساء الديمقراطية. وبعد انتهاء فترة بوش الرئاسية، توجهت الاستراتيجية الأمريكية نحو بناء تحالفات جديدة في الشرق الأوسط. ورغم غموض الأوضاع حتى الآن إلا أن المباحثات السورية الإسرائيلية بوساطة تركيا، ودعوة سوريا إلى المشاركة في قمة تتعلق بالشرق الأوسط تكشف عن ملامح جديدة في الاستراتيجية الأمريكية.

وثمة جهود لتطبيق سياسات مختلفة على سوريا تختلف عن النموذج العراقي، الذي تم من خلاله تقسيم العراق ووضعه تحت الوصاية. ولولا شحة سوريا من البترول لكان من الممكن أن يطبق عليها النموذج العراقي. فالهدف الآن هو فك التحالف السوري الإيراني، وإدخال سوريا إلى الحظيرة الدولية بمساعدة تركيا.

وواضح تمام الوضوح ذلك الدور المهم الذي تقوم به تركيا في استراتيجية تطوير التحالف الذي يسعى النظام الدولي لتحقيقه في المنطقة. ومن المحتمل أن تطلب تركيا توسيع ساحة مبادرتها من خلال قيامها بتقييم الأوضاع وفق رؤيتها الذاتية. أما عن حدود هذه المبادرة الممنوحة لتركيا فالزمان وحده هو الذي سيكشف عنها. إذا ما امتلكت تركيا إرادة ورؤية ذاتية تجعلها قادرة على إدارة اللعبة، فقد تتغير المرحلة وقواعد اللعبة في أطر جديدة. غير أن الواضح حتى الآن أن تركيا تقوم فقط بدور الوسيط المفوض في المنطقة.

لم ينس الرأي العام الغربي مذبحة “حلبشة”، وقد حاسب عليها صدام ونظامه، أما الآن فيبدو لنا أن الرأي العام الغربي قد تناسى “جرائم النظام السوري” مثل الممارسات القمعية الداخلية ومذبحة “حماة” التي فاقت في بشاعتها مذبحة “حلبشه”. إنه لغريب حقا ويسير التساؤل ذلك التغاضي الغربي عن جرائم النظام السوري.

      أضف إلى ذلك أن مئات الآلاف اليوم من المواطنين السوريين لا يمكنهم العودة إلى ديارهم وأهليهم حتى الآن، وأن النظام السوري يرفض تمام الرفض أي حوار سلمي مع الإخوان المسلمين لديه، بل لا يزال حتى الآن أنتساب أحد السوريين إلى الإخوان المسلمين بمثابة حبل إعدام قد لفه حول رقبته.

وعلى أية حال، فإن التقفارب التركي –السوري قد يدفع النظام السوري إلى الخروج من عزلته والانفتاح على العالم. وهو جل ما يحتاجه الشعب السوري. وقد أنجز بشار الأسد مع وصوله للسلطة بعد وفاة أبيه خطوات إيجابية ديمقراطية ملموسة، غير أن ثمة الكثير من الخطوات ينتظر الشعب السوري تحقيقها.

إن إلغاء تأشيرة المرور بين سوريا وتركيا، هو منح تأشيرة لسوريا نحو الولوج إلى النظام الدولي.

      والأهم من ذلك كله هو المكسب المتحقق من التعارف بين اسطنبول ودمشق، وعودة الأواصر بين العرب والأتراك.

      وهل ستلعب تركيا دور الوسيط المفوض في هذه المبادرة، أم ستمسك بزمام المبادرة وفق رؤيتها الذاتية؟ هذا ما سيكشف عنه المستقبل.

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on October 16, 2009

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar

Bir Önceki Yaz: