الغضب صارخ، والفكر متوسط في حادثة باريس

يبدو أن التأثير وما رافقه من هزّات على ما حصل في الأسبوع الأخير سيأخذ وقتا طويلا من الاهتمام.

كما تعطينا إشارات على مستقبل التعامل مع الأقلية المسلمة في أوروبا وعلى رأسها فرنسا، وذلك من خلال موقفهم من الأحداث الأخيرة.

كما نلحظ ذلك من خلال المناقشات التي تدور بخصوص ذلك. فاللغة التي يستعملها الإعلام والتصريحات التي يدلي بها السياسّيون تشير إلى موجة جديدة من التحضير للتعامل مع الأقلية المسلمة في أوروبا.

في تركيا كما في أوروبا، فإن الاهتمام بهذا الموضوع جدير بالمتابعة. وقد أوجدت هذه التطورات حالة جديدة من التكتلات المتضادة. فمن ناحية نرى وجوب الاعتذار عن الهجوم، مما يؤثر سلبا على المتدينين من المسلمين والشعور بالمهانة عندهم. ومن ناحية أخرى نرى الهجوم المباشر على الطبقة التي تدعي وقوفها إلى جانب القيم التي تحملها وتدافع عنها، مما يساهم في إيجاد نوع من الفوضى والخوف عندهم.

كما نلاحظ حالة من المذلة والإهانة تطبق على الفئة المتدينة والحط من معتقداتها بحجة هذه الهجمات.

ومن جهة نرى أن القسم الذي تعرض للهجوم بالسلاح يستغل هذه الفرصة ليهين الطبقة المتدينة وبشكل من الغرور والصلف عنده.

نفهم هذا من خلال متابعتنا للنقاشات الدائرة في وسائل الإعلام المختلفة، والتي تكرس للتكتلات العدائية بين الأطراف، لتصل إلى حد الصراع بينهم.

لا شك أن الحادثة تحمل في طياتها العديد من الجوانب التي تفتح الباب للنقاشات المختلفة. ليست مجرد عملية إرهابية، كما أنها ليست دليلا على فئة من المسلمين لم تستطع التأقلم مع القيم الحضارية. لا يراد من خلال الهجمة الإعلامية المطبقة الآن النيل من الأشخاص الذين قاموا بالهجوم، بل المراد هو التعرّض والإهانة للمقدسات ولكل ما يمت للدين بصلة تحت مسمى الحرية.

المطلوب هنا تناول الموضوع من الوسط المثقف مع عدم المغالاة والاتهام للفئة المتدينة. مع التنبيه على إبقاء هذه النقاشات في حجمها الأدنى عند المفكرين. من السهل التنبؤ بما ستتركه حالة الاتهامات للطبقة المتدينة والنيل من مقدساتها من حالة نفسية عندهم ومن ردود فعل سلبية.

ومن جهة أخرى فإن التفكير باستغلال هذه الهجمات من أجل اتخاذها وسيلة للتكبر على الطرف الآخر والتعالي عليه، مما يجعله مشحونا بالعدائية لكل من حوله. فالموضوع قد يتحول إلى إعطاء المتهم فرصة جديدة… نلاحظ تحول هذه الحادثة لشحن العداء ضد المسلمين، مع أنها قد تكون حادثة عابرة.

إن حجم المؤامرة في هذه الحادثة، ومن خلال نتائجها السياسية وتأثيرها النفسي قد وضعت طرفين يحملان قيم مختلفة في مواجهة بعضهما بعضا. إن التحدث بمعزل عن هذين الطرفين المختلفين من الناحية الفلسفية، والفكرية، والمرحلة التاريخية قد يكون غير نافع. فانطلاقا من ذلك لا يمكننا فهم الغرب وحركة البعث الجديدة فيه من غير أن نفهم تبنيه الفكر الذي يدور حول الإنسان بمعزل عن الإله، والذي جعل الإنسان يعبد الإنسان.

فتركيا منذ فترة طويلة قامت بإحالة هذه النقاشات على كتاب الزوايا في الصحف ولأصحاب الفكر في نقاشاتهم على شاشات التلفزة، حتى أنهم توغلوا في هذه النقاشات إلى الأعماق مما ساهم في زرع بذور الفتنة والشقاق بين طبقات المجتمع، وما زلنا للأسف نحصد مرارة هذه التجربة.

وما زلنا نستمد هذه المرارة من خلال التعنت في الفكر التآمري، والذي هو طرف في تكريس هذا الوضع مستغلا ما ثبت في الوجدان من احترام لقيم الحق. ففي العالم الإسلامي ومن خلال وضعه الراهن نرى البعد عن تحليل الواقع الفكري في المجتمع، وهو مشحون بالعداء للغرب.

وفي المقابل نرى أن الحالة النفسية مع الغرب والشعور بالنقص أمامه تستدعي استغلال هذا الشعور كسلاح حاد في مواجهة الغرب.

إن مستوى الفهم للقيم عند الغربيين ومحدوديتها، يجعلهم يعتمدون على لغة الخطاب الإعلامي القوية عندهم من أجل نشر فكرهم العدائي بجرأة.

فنراهم يستغلون هذه الحادثة من أجل إظهار حقدهم الدفين على المسلمين، ووضع الإعلام المحافظ في حالة ضعيفة أمامهم لا يقوى بها على مواجهتهم أو مضاهاتهم.

مثل هذه الحوادث تجلب معها نتائج سياسية. ولكنها تترك آثارا فكرية وأخلاقية لا يمكن نسيانها بسهولة. لو نظرنا من هنا نلاحظ سطحية الإعلام في تناوله اليومي لمثل هذه الحادثة، والتي لا تتعدى مساهمته في لغة العداء والعنف.

من أي الجهات تناولنا هذا الموضوع وطريقة ربطه مباشرة بالدين، نلاحظ أن ذلك منتشر في كل ناحية من هذا العالم. فما الذي نجنيه من تكريس التكتلات العدائية والنظرة الانتقامية بين مختلف الأطراف من خلال مثل هذه النقاشات التي تدور؟

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on January 15, 2015

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar

Bir Önceki Yaz: