البعد الإسرائيلي في دافوس

إن الأحاسيس والمشاعر الاجتماعية التي أبرزتها وأثارتها واقعة دافوس لهي أحاسيس عميقة موغلة في العمق إلي الحد الذي يجعل من العبث التحدث عما جرى باعتباره عنترية أو استعراض سياسي.

إن ما جري في مكان مثل دافوس،  الذي يمثل” روح الرأسمالية العالمية”، هو باختصار: “أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد أفسد المسرحية التي كانت تُعرض علي خشبة ذلك المسرح المحدود، والذي كان من المفترض أن يكون أحد شخوصها”.

إن المتحدثين باسم إسرائيل، الذين يختارون لأنفسهم أدوارا تتغير حسب المحفل والمنتدى الذي يتواجدون فيه، هم أشخاص قد اعتادوا علي فرض مواقفهم المتغطرسة، دون أدنى اعتبار للأغيار أو الآخرين الذين يعيشون معهم على هذا الكوكب.

لقد درج الغرب على التكفير عن ذنوبه التي اقترفها في حق اليهود، من أرصدة الشرق الأوسط والمسلمين؛ فيبيت مرتاح الضمير، هانئًا بمثل هذه المواقف الإسرائيلية. وعلى الوتيرة ذاتها، أضحت إسرائيل لا تتورع البتة عن استغلال ذلك الضعف الغربي وامتصاصه حتى آخره.

إن ما حدث في دافوس لهو صدمة نفسية لسيكولوجية إسرائيل” المحصنة ” أكثر من كونه هزة لوضع إسرائيل ومكانتها السياسية. فكان أكثر من تضرروا من هذه الصدمة النفسية هم أولئك الذين بالغوا، والي أقصى قدر ممكن، في قوة إسرائيل، ومعهم كذلك الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا ضمن صفوف العمالة والتجسس لصالح إسرائيل.

إن الذين انتقدوا موقف أردوغان في دافوس هم في تركيا أكثر عددا ممن في غيرها.  لقد انتقدوه بدعوى ” استفزاز إسرائيل “. بل إن مخاوفهم من قطع إسرائيل لعلاقاتها مع تركيا قد بلغت أقصاها؛ وكأن تركيا لم يكن لها وجود فوق أرضها من قبل بدون إسرائيل. فسيكولوجية الحاجة إلي إسرائيل لم تؤثر فقط في منحاها العسكري أو الاستراتيجي؛ بل أثرت أيضا علي أولئك الذين يقومون بدور نضالي مزعوم من أجل الدفاع عن الغرب في بلادنا؛ فباتوا يزعمون أن إسرائيل هي الضمانة من اجل الارتماء في حضن الحضارة الغربية، ودوام الصلة بأمريكا.

في حين إن النقطة الأساسية التي يستلزم النقاش حولها، تتبلور في هل تركيا بالفعل تحتاج إلى إسرائيل أم لا؟!. إنهم يحاولون إقناع بنى جلدتهم الأتراك بالحاجة إلي إسرائيل. في حين أن بيريز، وقد فقد توازنه مع أقل نقد، بات في حاجة ماسة إلي أردوغان أكثر من احتياج تركيا لإسرائيل؛ فتركيا في الحقيقة، بعيدًا عن ارتباطها الذهني والسيكولوجي والأيديولوجي، ليس لديها الحاجة مطلقًا إلي علاقة شراكة مع إسرائيل أو إلي دعم إسرائيل واقعيًا.

فمنذ أن تأسست إسرائيل بدعم من القوي الأجنبية كانت تركيا مجبرة علي دعمها وتطوير علاقاتها بها إن في شكل سري أو في شكل علني، ثم اعتادت علي ذلك.

إن حرمان إسرائيل من دعم تركيا، يعني فرض حالة من العزلة علي إسرائيل في المنطقة بكل ما تعنيه الكلمة. فقد ورثت أنقره العلاقات التي أقامتها إسرائيل مع إيران في عهد الشاه؛ ومن ثم ينبغي علي السياسيين أولا ومحللي السياسة الخارجية أن يفكروا في دلالة ذلك. فإن دعم دولة مسلمة غير عربية في المنطقة، لهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لإسرائيل، كما أن تركيا دولة عضو في حلف الناتو، وتطرق الباب للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، وفوق كل ذلك فهي دولة علمانية تمثل لإسرائيل طوق النجاة.

إن ثمة فراغ كبير ليس لأحد آخر أن يملؤه سيكون النتيجة الحتمية إذا فقدت إسرائيل دعم تركيا في تلك المجالات الكثيرة المشتركة بينهما بدءً من مصادر الطاقة حتى التدريب العسكري؛ بل إن تركيا، في الآن ذاته، هي الدولة التي يحرص الإسرائيليون دون أي قلق أو خوف على زيارتها ولعب القمار فيها.

ولذا؛ فقيام الحكومة الإسرائيلية بمبادرات تهدأ من توتر محتمل مع تركيا بعد أزمة دافوس، ليس من المواقف التي نراها كثيرًا. ومن ناحية أخرى، فان تلك النخب التركية التي اكتفت بالصمت إزاء توجهات الحكومة التركية في سياساتها الخارجية رغم عدم اتفاقها معها بدافع المصلحة الوطنية، نراها اليوم وقد هبت لتناقش مسألة الرعب الإسرائيلي بصوت صارخ.

إن العلاقات التركية الإسرائيلية بعد دافوس لن تتغير تغيرًا حقيقيًا؛ بيد أن أسطورة إسرائيل التي تسعي النخب التركية المعارضة للحكومة الحالية لفرضها علي الشعب تبدو معرضة للانهيار.

فثمة مجموعتان من البشر تبالغان في قوة إسرائيل أكثر مما تبالغ إسرائيل نفسها. المجموعة الأولي: هم أولئك الضحايا والمظلومون الذين يرزحون تحت ويلات الاحتلال الإسرائيلي ومجازره؛ فالانهزام النفسي الموجود لدى الدول العربية تجاه إسرائيل الذي يقوم علي أن إسرائيل لا تقهر، وأنها قادرة علي كل شيء، هو حالة نفسية موجودة في تركيا أيضًا، وبشكل مكثف.

أما المجموعة الثانية التي تبالغ في قوة إسرائيل فهم أولئك الذين يرون أن رؤية إسرائيل علي هذا النحو أمر ضروري بالنسبة لهم لمواصلة هيمنتهم الأيدلوجية والسياسية علي الشعوب. فهم ينثرون أكاذيبهم بأن تركيا في حاجة ماسة إلي إسرائيل، ويسممون بأفكارهم هذه عقول الأمة.

أما مسألة الأرمن وحاجة تركيا إلي مساندة إسرائيل لها في المحافل الدولية فهي مسألة هينة للغاية لا تقارن بحاجة إسرائيل لوقوف تركيا إلي جانبها. أما مسألة ارتباط تركيا بإسرائيل من حيث العلاقات السياسية، والمناورات العسكرية فلم يعد يخفي علي أحد أن مثل هذه الارتباطات تكون مرهونة بفترات سياسية بعينها وعلاقات تقوم علي المصالح المشتركة.

إن تل أبيب ،حتى وإن شنت حملة عدائية ضد الحكومة التركية وممثليها، فإنها لا يمكنها أن تتجاهل مطلقا تلك الجسور التي تجمعها وتربطها بتركيا. أما حالة الفرح التي تغشت العالم العربي فمردها إلي أن الجماهير العربية قد ملت من مواقف زعمائها السلبية، وباتت تبحث عن أمل جديد غير أن تبدد ذلك الأمل قد ينكأ جراحا أكثر عمقا.

ترجمة: د. طارق عبد الجليل

lgili YazlarArabiyah

Editr emreakif on May 2, 2009

Yorumunuz

İsminiz(gerekli)

Email Adresiniz(gerekli)

Kişisel Blogunuz

Comments

Dier Yazlar

Daha Yeni Yazlar: